أصوات

ملاحظة :لقد كتبت الموضوع قبل 30 من شهر اب/ اغسطس الماضي في الذكرى الاولى لوفاة أمي وجدتي واخي بشار الله يرحمهم ونشر في وقتها في السفير نيوز والوطن نيوز

أصوات


أصوات كثيرة نسمعها كل يوم منها من لا يكاد يعلق في ذاكرتنا ومنها ما يزعجنا ومنها ما نستمتع به وأصعبها تلك التي نتمنى لو نسمعها مرة أخرى ولو لمرة واحدة ولكن ليس الى ذلك سبيل بالنسبة لي فإنني أتحدث عن أصوات أمي وجدتي وأخي الوحيد بشار الذين غيبهم الموت في الثلاثين من آب عام الفين وثلاثة عشر إثر اصطدام سيارة قاصر بسيارتهم ما أدى الى وفاتهم في الحال، أيام فقط تفصلني عن انتهاء العام الاول لوفاتهم احببت أن أكتب لكم عن أصوات ارتبطتْ بهم وعلقتْ بذاكرتي.

 لماذا أكتب عنهم أولا استعيذ بالله ان أعترض على قضائه وقدرة فله ما اعطى وله ما اخذ وأستعيذ به أيضا التشبه بالنائحات فأذكر حسناتهم لأبكي عيونكم، لكنه الشوق اليهم أكتب عنهم أكراما لجدتي وبرا بوالدتي ووفاء لعيني بشار. أكتب عنهم لأنني أريد من كل من يقرأ أن يترحم عليهم والحقيقة أنني أتمنى ان لا تكونوا أنتم فقط من يفعل ذلك بل أدفع العالم كله بسمائه وأرضه وبره وبحره أن يترحم عليهم ويستغفر لهم اللهم إغفر لهم وارحمهم اللهم آمين.

 وهذا سيكون ان شاء الله أخر ما أكتب عنهم فكما نهض بشار مسرعا من تحت ظل شجرة الحياة الدنيا الى ظلال عرش ربه يوم القيامة نحسبه كذلك وهم جميعا ولا نزكي على الله احدا فسأتوقف عن الكتابة عنهم قبل ان تملوا. 

قد تبدو الكتابة عن عائلتي التي فقدتها في حادث سير أمر لا يذكر في ظل ما يحدث في غزة والعراق وسوريا ولكن للأسف فإننا في الأردن ودون أن يكون رصاص الحرب الفعلية يخترق الهواء فإنه يسقط يوميا قتلى وجرحى أغلبهم من سلاح في يد متعصب أو طائش أو عجلة قيادة في يد قاصر أو مستهتر. فاذا وجد غيرنا سهولة التحسب على الأعداء الذين قتلوهم عجزنا عن التحسب على أشخاص من بني جلدتنا جعلوا بيوتا كانت تصدح بالضحكات والأحاديث الجميلة يرتفع فيها صمت الحزن أو الى الأسوأ من ذلك أن تصبح خاوية بلا صوت.

أول الأصوات التي سأخبركم عنها صوت أمي صوتها مثلا تحادثني على الهاتف وصوتها تناديني باسمي وصوتها تشجعني وأخواتي وتحثنا على الخير صوتها تدعي لنا ولكل من تشعر انه بحاجة للدعاء وصوت ترحيبها الحار بضيوفها على باب المنزل وصوت تقليبها لصفحات الجريدة او الكتاب وصوت درس ديني من التلفاز بعد منتصف الليل يختلط مع صوت صفحات القرآن الكريم الذي في يدها لتقرأ منه في الفواصل فلم تكن رحمها الله تضيع شيئا من وقتها الثمين أصوات كثيرة هذه بعضها أصوات جميلة كانت تصدر عن والدتي وكل ما يصدر عنها جميل.

أما جدتي رحمها الله فأكثر ما أذكره عنها صوتها تناديني لأتصل لها بفلان حيث لها دفتر هاتف مليء بأرقام أصدقائها ومعارفها التي عرفتهم لسنوات ولن أبالغ اذا قلت ان لها في كل محافظة على الاقل صديق. وصوت التلفاز يرتفع على الأخبار المحلية يوميا لكي تكون رغم سنها على إطلاع بما يجري، وصوت الراديو صباحا خاصة على الوفيات لتسرع لتقديم التعزية. واخيرا أصوات الأبواب تغلق وتفتح في بيت جدي مختلطة بصوت اقدام أعمامي وعماتي يدخلون بعد الظهر مع صوت اواني الطعام والقدور صادرة عن المطبخ فقد حضرت جدتي وعماتي منذ الامس (ششبرك او ملفوف) للجميع، والجميع آتى لتناول الطعام او لأخذ حصته. 

واخيرا أصوات ارتبطت ببشار رحمه الله فهذا صوت هاتفي يرن، إنه بشار يتصل بي ليهنئني بالعيد و صوت ضحكاته على الهاتف، وصوت القبلات على يدي والدي ورأسهم، وصوته يقول أهلا وسهلا وهو يصور شريط يومياته في شقته اثناء دراسته للطب في مصر، وصوته يلقي كلمة في حفل تخرجه. وصوت التلفاز على قنوات الاخبار العالمية والاجنبية، وصوته يقرأ القرآن وصوت منبه الهاتف لإيقاظه لصلاة الفجر وبعد عدة تكرارات يستيقظ فقد سهر الى وقت متأخر يحضر لامتحان إقامة القادم ثم صوت ماء الوضوء وصوته يوقظنا للصلاة يرتدي حذائه ويغلق سحاب الجاكيت وصوت الباب يغلق فقد خرج رغم البرد الى صلاة الفجر في المسجد كما تعود ان يفعل دائما. 

هم ذهبوا جميعا وأصواتهم كذلك ولكن بفضل من الله هناك إمتداد لهم وصدى لأصواتهم سيرتفع في هذه الحياة الدنيا الزائلة وسيكون لهم ولوالدي ولكل من كان له دور في انجاز قاعة الدكتور بشار الاجر والثواب في الحياة الاخرة فبحمد الله وقبل أن يصبح لهم عام على وفاتهم ارتفعت في رمضان أصوات الصلح من قاعة الدكتور بشار، ثم ارتفعت أصوات مناسبات اخرى سعيدة كأصوات التهنئة بزفاف او بتخرج وكل حدث سيتم فيها سيكون مثلهم مقبل على الدنيا وله ارتباط لا محالة بالآخرة ونسأل الله أن تكون أصوات أفعالنا نافعة لنا ولغيرنا في الدنيا وجالبة للآجر والثواب في الاخرة وأسأل الله أن يبارك في اعمارنا جميعا، ولكننا جميعا سنرحل في النهاية والله وحده يعلم متى واين ويتلخص ذلك في الآية الكريمة في آخر صوت أشارككم به وهو صوت والدي حفظه الله يقرأ علي وعلى أخواتي الآيه الكريمة من سورة لقمان والمنقوشة على جدارية القاعة : ( إن اللّه عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن اللّه عليم خبير )

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وصف يوم ماطر

قبل وبعد