مجرد خبر



مجرد خبر
        ملاحظة: مقالة نشرت في جريدة  الرأي عام 2010 عن حادث سير رأيته على الطريق الصحراوي عام 2007
         يبدو الربيع لمعظم الناس جميلا ففيه تتفتح الأزهار وتكتسي الأشجار و حتى أشواك الصحراء باللون الأخضر, وبالفعل فقد كان صباحا ربيعيا سماءه تبدو صافيه وذلك يمثل أوقات مميزة على "الصحراوي" الذي يكون ربيعه مغبرا غالبا.
      وهانحن على الطريق في تلك المركبة العمومية البيضاء نطوي الطريق منذ الفجر ذهابا إلى العاصمة ولسنا وحدنا كذلك, فهاهي المركبات الكبيرة والصغيرة عمومية وخاصة ومن مختلف مناطق الجنوب نتبادل معهن قيادة الطريق للوصول إلى الوسط وربما إلى الشمال ..كل له أسبابه المختلفة(دراسة ,عمل , علاج , ....الخ ) والتي أؤكد لكم أن التنزه ليس من إحداها.
       هدفنا يقترب فهاهي عمان على بعد اقل من مئة كم  وأصبح عدد المركبات ثلاثا فقط فالمركبات  التي تقود على سرعة 80 و90 كم/  ساعة مازالوا خلفنا ,فعلى الرغم من انتشار دوريات الشرطة على الطريق هاهي الحافلة الكبيرة الحديثة تتجاوز عنا ثم تجاوزت عن كليتنا سيارة فارهه ومؤشر سرعة مركبتنا يؤشر على 120 كم /  ساعة .
       حمدا لله أننا كنا آخر السيارات المتسابقة فسائق الحافلة المغرور بخبرته الكبيرة وحداثة حافلته والشاب المتهور الواثق بوسائل الأمان في مركبته تسببا بتغيير حياة البعض.فقد حافظت السيارة الفارهة على التتابع القريب. تنبهت لذلك وسائق مركبتنا يخفف السرعة بالضغط على المكابح وتمنيت لاحقا أن يكون ما يتهيأ لي أني أراه مجرد مقطعا من فيلم وليس حقيقة .
       نتيجة للتتابع القريب فقد احتكت مقدمة السيارة الفارهه بمؤخرة الحافلة ..ولقد اعتقدت متناسية قواعد الفيزياء أن الحافلة ستتوقف على جانب الطريق ليتبادل اللوم  هو والسيارة الأخرى ولينتظرا "الكروكي" وللكن للأسف ...فبناء على سرعة كليهما فقد أصبح الباص كحجر النرد بتقلب يسرة ويمنة لمئات الأمتار انحرف لأقصى اليمين ثم بسبب رد الفعل ومحاولة السائق السيطرة على الحافلة انحرف لأقصى اليسار قاذفا الركاب من النوافذ المغلقة ليلقي يبعضهم في منتصف الطريق  .
        في اليوم التالي أخذت اقلب صفحات الصحف اليومية واستمع للبرامج الصباحية المحلية علي استمع إلى التفاصيل فقد كان حادثا مؤسفا فيه 5 وفيات بالإضافة لإصابات خطيرة , لابد أن يذكر الخبر ذلك الراكب الذي  فقد ذراعه  في هذا الحادث ,ولابد أنهم ذكروا سرعة استجابة الدوريات الخارجية فقد كانوا هناك خلال دقائق ..ربما حلل احد أصحاب الاختصاص أسباب الحادث...ربما هناك قصة لأحد الركاب أو كيف يتذكر الحادث ,وهاهو الخبر(تدهور باص ...عدد الوفيات ..عدد من الإصابات..تم نقل المتوفين إلى مستشفى....تم نقل المصابين إلى مستشفى...)نهاية الخبر.
          لماذا كَتب الخبر هكذا ؟ هل لأنهم خمسة فقط ..ونحن نهتم فقط بالحوادث الكبيرة..كما حدث بعد ذلك بأيام عندما وقع "حادث جرش الكبير" فضجت وسائل الإعلام لذلك..وهل يجب أن يموت احد أصلا حتى يكون الحادث يستحق الاهتمام ؟ ام أن أخبار الحوادث هكذا تكتب وأي زيادة على ذلك ستدمي القلوب الجريحة أصلا من أخبار الحوادث العالمية وضغوط الحياة اليومية!
       كان هذا منذ بضع سنين ولقد تم الكثير منذ ذالك الوقت بالنسبة لحوادث الطرق (حملات, مقالات, إحصائيات..) ولكن طريقة كتابة أخبارها لم تتغير فمازالت تفتقر للعاطفة وللتفاصيل في اغلب الأحيان, مع أن ذلك يمكن أن يستثمر من اجل زيادة الوعي بخطورتها وتأثيرها السلبي على حياة المتضررين.فسواء تغيرت طريقة كتابة أخبار حوادث الطرق ام لم تتغير وسواء تذكرنا أعداد المصابين وأسماء المستشفيات التي ذهبوا إليها ونحن نغلق الجريدة  ام لم نتذكر فإنه بالنسبة لمن غيرت حياتهم حوادث الطرق لن يكون مجرد خبر .           


  
      
        

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وصف يوم ماطر

قبل وبعد