شتاء منقوص...ولكن




       ندخل الأن أنا ووالدي وأخواتي على الشهر الخامس من فقدان أحبتنا أمي وجدتي وأخي د.بشار ذو الثلاثين عاما , والذين وافتهم المنية أثر حادث سير مؤسف                                                كما يقال عادة. خمسة اشهر تبدو كخمسة أيام على وفاتهم من ناحية الوقت وكخمس سنوات من الألم .نتذكرهم في كل لحظة خاصة وأنهم كانوا معنا الى نهاية الصيف ...فأتى عيد الأضحى  وكذلك الخريف والشتاء ... خاصة الشتاء وأين هم ؟؟... شتاء منقوص.. ما أجمله لو كانوا بيننا.
        مازلنا لم نحذف أرقامهم من هواتفنا ... مما زلنا نتذكر أخر الوجبات التي تناولناها معا والضحكات والكلمات مازلنا نفتقد ابتسامة أمي الجميلة ودعائها لنا ..ومازال أبي وأعمامي وعماتي يتذكرون  سهراتهم  مع جدتي حول سريرها ويفتقدونها في جميع المناسبات.
       هل زال الم فراقهم؟ وكيف يزول !! خاصة وأنهم توفوا في يوم الجمعة فأصبح حتى للحمص والفلافل طعما مرا وللساعة التي خرجوا فيها بطئا قاتلا ..ولخطوات شباب الحي الى صلاة الجمعة وبشار ليس بينهم زلزالا مدمرا .وسنبقى نحتاج اليهم و نتذكرهم في جميع المناسبات, وسندعو لهم دائما ان شاء الله ولن ننساهم  .ومما خفف مصابنا وقوف الجميع بجانبنا و  تقديمهم  لنا التعزية فشكرا للجميع خاصة لمن لا نعرفهم وكتبوا مواساتهم لنا حتى على صفحات المواقع الإلكترونية ..فشكرا لكم جميعا.
       اما بالنسبة لحقوقهم فحرصنا على أن لا تضيع و تمسكنا بها ...فطالب والدي حفظه الله بدية  عنهم جميعا _أقل بكثير من الدية الشرعية _ ومع ذلك كانت النتيجة دية رمزية لا تتعدى قيمة التأمين وعن بشار فقط .وحرصنا جميعا على أن ينال المجرم الذي أصطدم بهم عقابه ولكننا بدورنا اصطدمنا بالقانون  .انه قاصر....في المحاكمة قرأ عليه القاضي تفاصيل جريمته: قيادة بدون رخصة وبسرعة تجاوزت الحد الاقصى بكثير والقيادة على المسرب الخاطىء وقتل أربعة 3 من عائلتنا بالإضافة الى قريبه العشريني الذي كان بجانبه ..ثم قرأ عليه العقوبة ايضا 3 أشهر لن يسجن منها شيئا لأنه يستطيع أن يدفع غرامة مالية بدلا من السجن.
        قد يبدو حديثي هذا خاصا بعائلتي ..ولكن بحسب تقرير ادارة السير المركزية الذي تناقلته الصحف الأسبوع الماضي  فإنه حدث في الأردن  757 وفاة في عام 2013 بسبب حوادث السير المتنوعة بين  اصطدام وتدهور ودهس بالإضافة الى أكثر من 14 الف اصابه ..وهذا برغم الانخفاض الذي تحدث عنه التقرير مقارنة بعام 2012 الى انه لا يزال رقما مرعبا .
        فاذا افترضنا انه للمتوفين فقط 2 من الأقارب المباشرين ...و2 من الأصدقاء أي 4  فإنه يوجد 3028 حزينا ومتضررا نفسيا من وفاة قريب و 56 الف شخص لديه عزيز مصاب  في العام الماضي من حوادث السير وحدها , وجميعا يعلم أن الأقارب والأصدقاء أكثر من 4 بكثير .
         اذن ماذا بعد ..الاف الحزانى سواء بسبب حوادث السير او من أسباب الاصابات والوفاة الأخرى ...ماذا نفعل ..نحزن أكثر ..نحافظ على اغراضهم دون تحريك ...نكتب النعوت والاربعينيات والسنويات فقط ... لا على الرغم من أن الجرح كبير يجب أن نكون منه أكبر .
      يجبـ أن نعمل ما يحبون ..وأن لا نجعل موتهم جزافا ..و خلال السنوات الماضية  ضرب العديد من الأردنيين مثلا للأخرين في تحويل الألم الى أمل وفي وضع السكر على الليمون ليصبح حلوا .. فتبرعوا بأعضاء موتاهم ...او بالمال .او قاموا بعمل يمنع  تكرار نفس الكارثة التي حدثت معهم .
        بالنسبة لنا كان والدي حفظه الله اول من اتخذ الخطوات فمنذ الأيام الأولى وهو يقف  في صواوين العزاء  أعلن أنه سينشأ  قاعة مجانية للمناسبات الاجتماعية والثقافية لأبناء محافظة معان على أرض بجانب بيتنا هي ذاتها التي كانت مسورة ليقام فيها زفاف بشار ولتصبح فيما بعد منزلا له او عيادة ..وان كل ما سيأتي من نقود التأمين و الدية ستذهب لهذه القاعة التي ستكون على حوالي دونم  من الأرض مجهزة بالمرافق والخدمات وفيها أيضا مكتبا لجمعية خيرية في مرحلة التأسيس وتحمل أسم أخي رحمه الله وغفر لهم جميعا  والتي من أهدافها التوعية بخطورة حوادث السير ورعاية ضحايا حوادث السير وعائلاتهم.
      وبتوفيق من الله وعلى الرغم من أن نقود التأمين لم تصل بعد الا أن جدران القاعة بدأت بالظهور ..ويمكنكم مشاهدة صور القاعة ومتابعة اخبار الجمعية على الفايس بوك صفحة د. بشار أبو درويش أو عبر الرابط التالي https://www.facebook.com/Drbasharabudarwish.
       الحقيقة ومن تجربتنا المؤلمة فان القيام بأي شيء  لا يكون سهلا أبدا ..وكل من يقرأ الأن و قد عانى بأي شكل سيفهم ما أعنيه ...لكن دائرة الحزن لن تساعدنا او تكتب الأجر لموتانا او تعمر الأرض. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل(  ومن التفاسير الجميلة  التي وجدتها  لهذا الحديث "أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا فيه دروساً عظيمة من أعظمها الإيجابية في حياة المسلم، إذ لابد أن يكون المسلم إيجابياً يشارك في هذه الحياة بكل ما يستطيع، وبقدر ما يمكنه، ولو كان ذلك في آخر لحظات الحياة".
        سبحان الله ...فكل من يعرف أمي وجدتي وبشار ...يعرف كم كانوا ايجابيين وعمليين ..ومن المضحك المبكي أن تحمل لنا انشودة النحلة بشار التي كنا نرددها عليه دائما..  معنى آخر "بشار يا بشار ..هيا الى العمل    اجمع شذى الأزهار من روضة الأمل".

                                                                  

        

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وصف يوم ماطر

قبل وبعد